في الوقت الذي لا تزال فيه القوى السياسية تتنازع على الحصص التي تأمل الحصول عليها في الحكومة المقبلة، تتفاقم يوماً بعد آخر ظاهرة السلاح المتفلّت في العديد من المناطق، لا سيما في منطقة ​البقاع​، التي بات يسيطر عليها منطق الثأر العشائري، في ظل غياب أجهزة الدولة عنها، أو على الأقل تغاضيها عما يجري.

يوم السبت الماضي برزت 3 إشكالات مسلّحة، سقط ضحيتها قتيلان وعدد من الجرحى، أبرزها كان في بلدة ​سرعين الفوقا​ البقاعية، حيث وقع إشكال بين عددٍ من الأشخاص من آل شومان لأسباب عائلية، تطور إلى تبادل لإطلاق نار، في حين كان أفراد من عائلة جعفر يحاصرون آخرين من آل الجمل، على خلفية ثأرّية، في ​بلدة زيتا​، بينما سُجل إشكال فردي في بلدة جديدة القيطع تطور إلى اطلاق نار أدى اصابة شخص في قدمه، كما أصيبت امرأة وطفل عن طريق الخطأ، خلال إشكال بين شبان في بلدة بخعون، نتيجة خلاف على أفضليّة مرور تخلّله إطلاق نار.

في ظل هذا الواقع، يصبح المواطن عرضة للموت أو الإصابة، في معظم الأحيان عن طريق الخطأ، خلال إطلاق نار في إشكال لا يعرف أسبابه أو خلفياته، في حين تُطرح الأسئلة حول غياب الأجهزة الأمنية عما يحصل في ​منطقة البقاع​ تحديداً، بالرغم من المناشدات التي تطلقها القوى الحزبيّة الفاعلة في المنطقة، لا سيما "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، والتي تؤكد رفعها الغطاء عن أيّ مخلّ بالأمن، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة عبر "النشرة"، مع تكرار الحديث عن أن هؤلاء بالعشرات لا أكثر، لكن طالما أنهم بالعشرات فقط ما الذي يمنع سوقهم إلى العدالة؟.

تشير المصادر نفسها إلى أنه منذ الإنتهاء من معركة تحرير الجرود من عناصر الجماعات الإرهابيّة، طُرح تنفيذ خطة أمنيّة في منطقة البقاع لضبط الأمن فيها، لكن حتى الآن لم يتمّ الوصول إلى النتيجة المرجوة، لا بل يُحكى عن خطة جديدة من المفترض أن تنطلق في الأيّام المقبلة، حيث كان قد حدد موعدها بعد عيد الفطر، مع تفاقم ظاهرة الخلافات العائليّة بالإضافة إلى تجارة المخدرات وسرقة السيّارات، وتلفت إلى أن لهذا الواقع العديد من الخلفيّات، منها ملف المطلوبين التي تحتاج إلى معالجة، بالإضافة إلى عمليّات الثأر التي تحصل وفق المنطق العشائري، الذي يتعارض مع منطق القانون والتعاليم الدينيّة، من دون تجاهل إرتفاع نسبة البطالة، وتضيف: "بعض العائلات، عند وقوع جريمة قتل، تفضل عدم الإدّعاء على الشخص المعني، كي لا يُحكم مدّة طويلة، حيث تنتظر خروجه من السجن لتأخذ حقها بيدها، في مؤشر على أنها غير مؤمنة بوجود الدولة من الأصل، بينما في معظم الأحيان لا يتم توقيف القاتل".

وتلفت هذه المصادر إلى أن هذه الخلفية موجودة منذ مئات السنين، لكنها تتفاقم أكثر في ظل غياب الدولة، الذي يتجاوز الحدّ الأمني إلى الإنمائي، في حين أن الأحزاب الفاعلة لا تستطيع القيام بأيّ أمر، نظراً إلى أنها لا تريد الإصطدام ببيئتها الشعبيّة، وتفضل أن تقوم بذلك الأجهزة الأمنية، التي تطالبها بالحضور إلى المنطقة بكل ثقلها، لكن في المقلب الآخر تكشف عن حصول تجاوزات من العيار الثقيل، منها أن بعض المطلوبين يتنقلون بكل حريّة بين القرى والبلدات من دون أن يتم توقيفهم، نظراً إلى أنهم يملكون بطاقات أمنيّة، وفي حال توقيف أحدهم يخرج بعد أيام.

من وجهة نظر المصادر نفسها، المعالجة يجب أن تكون على أكثر من محور، الأول يبدأ بالحدّ من رخص السلاح الممنوحة، بالإضافة إلى التشدد في معاقبة من يحمل سلاح غير مرخّص، مع العمل على تنظيم مصالحات بين العائلات، والتأكيد على أن الدولة هي من يقوم بأخذ الحقوق، وفق القانون لا وفق المنطق العشائري، على أن يكون هناك حملة تثقيفية واسعة تدعو للخروج من هذا المنطق، لكنها تشدد على أن هذا الأمر يتطلب حضور الدولة بكل ثقلها إلى المنطقة، خصوصاً أن الأمن هيبة تُفرض لا تُمنح الى مجموعة من "الزعران"، وإلا ستبقى شريعة الغاب هي المسيطرة.

بالنسبة إلى الخطة الأمنية الموعودة، تشدد مصادر حزبية معنية، عبر "النشرة"، على ضرورة ألاّ تكون "كلاسيكيّة"، كما أكد محافظ البقاع ​بشير خضر​، حيث يعرف المطلوب، في معظم الأوقات، بحضور القوة المداهمة قبل وصولها، الأمر الذي يدفعه إلى التواري عن الأنظار، قبل أن يعود إلى الظهور من جديد، في حين أن هناك مجموعة من البؤر الأمنية المعروفة، يسيطر عليها تجار المخدرات، من المفترض أن يتم القضاء عليها.